قراءة في كتاب "ليبيا التي رأيت، ليبيا التي أرى، محنة بلد" للدكتور منصف وناس بقلم الباحث محمد التوهامي حاجي - ALYAKEEN جريدة اليقين الإلكترونية

عاجل

ALYAKEEN جريدة اليقين الإلكترونية

محترفون في خدمتكم ننقل لكم الحقائق المثبتة على مدار اليوم

إعلان

بانر 728X90

الأحد، 28 أكتوبر 2018

قراءة في كتاب "ليبيا التي رأيت، ليبيا التي أرى، محنة بلد" للدكتور منصف وناس بقلم الباحث محمد التوهامي حاجي

*محمد التوهامي حاجي : باحث وطالب دكتوراه تاريخ معاصر (تونس)
---------------------------------

حسن إدارة العيش المشترك و تجذير التشاركية السياسية و إعادة بناء الإنسان و كذلك الدولة في ليبيا:هي أهم المسائل /الهواجس التي طرحها الدكتور في علم الإجتماع السياسي بالجامعة التونسية المنصف وناس ، بصفته أكاديميا ومثقفا مستنيرا، حيث إختار البحث عميقا في الجغرافيا الليبية"دولة وسلطة وشعبا"٠وهو الذي يهيم بحب ليبيا فجرفه "الهوى" إلى تفكيك و محاولة فهم العلاقة المركبة و الغامضة التي تربط ثالوث العسكر و المدنين و النخبة بالدولة.
   
  وفي كتابه الصادر بتونس، لسنة 2018 و الموسوم ب"ليبيا التي رأيت ليبيا التي أرى ،محنة بلد ،عن الدار المتوسطية للنشر، يقوم وناس بإستقراء المشهد الليبي على شساعته بشكل علمي و هنا تكمن أهمية الكتاب ، إضافة ألى معايشته الأنتروبولوحية و ما تستوجبه من الملاحظة والمقابلات المعمقة. كما أنه إعتمد على المنهج الأركيولوجي لفوكو، أي الحفر في البنيات العميقة والغوص في اللامرئي من الظواهر. وهو ما قاده إلى إستنتاج عميق وسمه بنظرية "المجتمع المعطل" والذي يتميز بخصائص مخصوصة على حد قوله وهذه الدراسة السوسيو تاريخية بماهي نتاج لتحاليل علمية إنكب عليها الدكتور منذ عقود. 

حيث إشتغل المؤلف على تفكيك الوحدات و القطاعات ."القبيلة، العسكر، الفاعل النخبوي ، الفاعل الإقتصادي، الفاعل الإجتماعي... "فوناس يقطع مع الصورة النمطية التي كرستها أدوات السلطة الدعائية. ليستعيض عنها بكثرة الأحداث المتحولة وبالصور القطاعية الديناميكية.... 

هذا الهدم العاطفي الذي لابد منه للبناء المعرفي العقلاني هو الذي يشرع كل هذه المساءلة التاريخية لهذه الحقبة من تاريخ ليبيا عملا بمبدأ تقويض منطلقات التاريخ الكلاسيكي والرسمي .... 

    ويرى وناس في الفصل الأول من الكتاب أن المجتمع الليبي يحمل سمات المجتمع المعطل في حقبته المعاصرة ، بعد الفترة الملكية. و مرد ذلك أنه يهدر الفرص مما جعله يتردى في إخفاقات ذات جذور عميقة. و يتجلى ذلك خاصة إذا ما نظرنا بروية إلى التناقض الذي رافق التدفق النفطي الهائل و الفقر المدقع لجزء كبير من الشعب الليبي، في ظل غياب سياسة إقتصادية رشيدة. و كذلك العلاقة بين العسكر و فئات المجتمع خاصة وأن العسكر بمجموعته الحاكمة ينحدر غالبيتهم من أصول إجتماعية متواضعة و المفارقة أنهم صنعوا طبقة شبه مغلقة غير مفتوحة سوى على بعض الفاعلين القبليين ،وهم أعيان القبائل و هو ماحال دون تجذير مفهوم الدولة والإحتكام إلى المؤسسات حيث يقول وناس" أن صناعة القرار السياسي والإقتصادي و الأمني كانت مغلقة لأنها فردية في جوهرها و متمحورة عملياعلى دائرتين أساسيتن: القيادات الأمنية الموثوقة ورجال الخيمة من ذوي الولاء القبلي الشديد. "

و يتحدث وناس بإسهاب عن الجذور التاريخية لتغلغل العنف داخل المجتمع الليبي و يعتبر أن القذافي دشن مرحلة العنف ، والتي أدت بعد أربعة عقود إلى الإنفجار.
ويعتبر "وناس " أن القذافي دشن مرحلة العنف، والتي أدت بعد أربعة عقود إلى الإنفجار في وجه الجميع عن طريق مراكمة الأحقاد التي شكلت البيئة الحاضنة لإنفجار 2011. فهي التي أنتجت الإنغلاق المولد للإنفجارات ، كما أنه يشد إنتباهنا إلى بعض اللحظات التاريخية التي بقيت على الهامش، والتي كانت تكون فارقة في تاريخ ليبيا لو أحسن إستثمارها. ويذكر مثلا الحوار الذي دار صلب مجلس قيادة الثورة خاصة بين سنتي 1972-1974. والذي تخللته مواجهات شخصية بين القذافي و عمر المحيشي حول ضرورة تسليم السلطة للمدنين. لكن هذا الحوار الحاد لم يفضي في المحصلة النهائية إلى نتائج إيجابية. 

   فقد كان بإمكان هذا الحوار أن يفضي إلى إختيارات مهمة بالنسبة للمجتمع الليبي، حيث أن عودة العسكريين إلى ثكناتهم وتسليم السلطة للمدنيبن أمرا إيجابيا في حد ذاته. لأنه يمثل ضربا من التداول على السلطة وخاصة على دوران النخب من التكنوقراط والإيديولوجين.. وهو ما كان بإمكانه تجنيب ليبيا كل هذا المخزون من التاريخ الثقيل للحكم الفردي والمرفق دائما بتغييب النخب الثقافية خاصة . /المفكر الصادق النيهوم مثالا. 

كما أن صناعة المجتمع المعطل لم يكن قدرا لابد منه لكنه كان نتاجا طبيعيا لفلسفة حكم و إرادة مسطرة لكن تتبع الدوائر المتسببة في هذا الوضع أمرا عسيرا من الناحية المنهجية و العلمية، لكن وناس يخلص إلى نتيجة غاية في الوضوح. حيث يقول في الصفحة" 163" فعلى الرغم من عدم وجود معلومات مدققة ومحينة فإنه يمكن أن نلاحظ أن مجموعة رجال الخيمة كانت أكثر حظوة سياسية و أكثر قربا من مركز الحكم وقادرة على المشاركة في صياغة القرار،فنخبة التقنوقراط مستقرة ولكنها ليست شريكا فعليا في الحكم. مثلها مثل الفاعل العسكري والقبلي والإقتصادي وقد تعطل المجتمع حين تعطلت نخبه! فالشراكة في الأزمة هي الإشكالية المحورية التي عالجها الكاتب في هذا الفصل. 

     أما الفصل الثاني: ففيه يشير وناس إلى كون ليبيا بمثابة ورشة مفتوحة على التأسيس، ويؤكد أن أولى الأولويات هو مأسسة الإستقرار"إعتمادا على الحوار والتوافق المجتمعي الشامل"

ويقدم جملة من التوصيات، ذات العمق السياسي، تصلح لتكون مرجعية الحد الأدنى من البناء/مرجعية الحد الأدنى من التعايش. خاصة و أن فكرة الدولة في فلسفتها المعاصرة تقوم على صهر العصبيات القبلية و الفئوية والإيدبولوجية... وهي قائمة كذلك على صهر الإرادات ذات النزوع المواطني، قطعا مع مرتكزات الغنيمة والقبيلة والغلبة. 
ثم أن إدماج الهياكل القبلية و تحالفات الصفوف هو من ضرورات العيش المشترك ، درءا لسوء المآل. و إيمانا راسخا بحق الحياة الذي هو أقدس ما يجب ضمانته متمسكا بمقولة الفيلسوف "هيغل" الذي كتب "لا شيء عظيم ينجز دون عاطفة عظيمة" ٠
---------------------------
*محمد التوهامي حاجي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق